سلسلة القيم والاخلاق فى التراث الإسلامى العظيم
نحو نظرية إسلامية للقيم والأخلاق والهوية الإسلامية العالمية
إشكالية توقف تصنيف القيم على مجال استخدامها وليس لذاتها وحرمان الذات العلمية الإسلامية من أبواب معرفية واسعة مهمة
تتباين القيم في ماهيتها وقوتها الذاتية من حيث:
1ــ قوتها المفاهيمية وقدرتها على توليد مفاهيم فرعية وجزئية.
2 ــ فاعليتها التربوية الفردية والمجتمعية.
3 ــ وقيمتها المضافة ودورها في تحقيق المقاصد العليا للإسلام من حفظ الدين والعقل والنسل والمال والنفس.
4 ــ مكانتها عند الله تعالى وثوابها عند الله تعالى.
بمعنى أن القيم في ذاتها تختلف عن بعضها البعض حيث تباينت أشكال تناولها في القرآن الكريم والسنة المطهرة، بين الوجوب والندب المكرر والتقرير والتوطئة، بما يكشف لنا عن حقيقة هامة جدًا وهى تصنيف القيم من حيث قوتها الذاتية وأن ذلك سيكون له الأثر الكبير في تصنيف وتبويب القيم، وتوظيفها في بناء الإنسان والأسرة والمؤسسة والمجتمع والأمة.
من حيث كونها :
ــ قيم الضروريات والحاجيات والتحسينات.
ــ وفي مجال تخطيط القيم من حيث البدايات التأسيسية اللازمة ثم المتممة في المرحلة الزمنية
والعمرية التالية ثم المكملة وهكذا.
ــ ومن حيث قوتها العلاجية والتصحيحية لسلوك وأداء الفرد والمؤسسة والمجتمع والأمة ... إلخ.
ــ ومن حيث كونها قيم كبرى تتعلق بالأمن القومي للمجتمع والدولة، أو قيم صغرى فردية تتعلق
بالأفراد والأسروالمؤسسات.
نماذج على تباين تناول القيم في القرآن والسنة
فيما يشير إلى قوتها وقيمتها وفاعليتها الذاتية ومكانتها عند الله تعالى
أولاً: في القرآن الكريم:
أ ــ من حيث عدد مرات التناول:
نموذج قيمة الصدق: ورد لفظ الصدق في القرآن الكريم في مائة وثلاثة وخمسون 153 موضع، جاء في واحد وثلاثين 31 بصيغة الفعلوجاء في مائة واثنان وعشرون 122 موضع بصيغة الاسم.
نموذج قيمةالعدل: ورد لفظ العدل ومشتقاته في القرآن تسع عشرة مرة بمعاني الحكم بالعدل والقسط والإنصاف
نموذج قيمة:
ب ـ من حيث أشكال وصيغ التناول
ــ ( وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال 60
قيمة القوة جاءت بصيغة الأمر المشدد
ــ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) التوبة 119
قيمة الصدق جاءت بصيغة الأمر المحبب
ــ (قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ(1) ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ(2) وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ(3) وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ (4) وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ (5) إِلَّاعَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ(7) وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ وعَهۡدِهِمۡ رَٰعُونَ(8)وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمۡ يُحَافِظُونَ) المؤمنون
قيم الخشوع وضبط القول والزكاة والعفة والأمانة والمحافظة على الصلاة جاءت بصيغة الندب المجمع
لكل هذه القيم مع بعضها البعض.
ــ (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّـهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) البقرة245
قيمة الإنفاق جاءت بصيغة الدعوة المحببة
ملاحظة علمية: عند تناول كل قيمة بذاتها يتم تجميع كافة الآيات الكريمة التي تناولت القيمة في سياقاتها المتنوعة، وجمعها في سياق تحليلي يكشف لنا عن حجم ونوع ووزن القيمة عند الله تعالى وحكمته ودلالته.
ثانيًا:في السنة المطهرة :
ــ في "الموطأ" عن صفوان بن سليم أَنَّهُ قَالَ : " قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا ؟ فَقَالَ: ( نَعَمْ ) ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: ( نَعَمْ ) ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا ؟ فَقَالَ: ( لَا ).
ــ فيسنن ابن ماجه عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل دين خلقًا، وخلق الإسلام الحياء»
ــ في سنن أبو داود عن أَبي أُمَامَة الباهِليِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وإِن كَانَ مازِحًا، وَببيتٍ في أعلَى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ حديثٌ صحيحٌ.
ــ في سنن الترمذيعن جابرٍ أَن رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُم إِليَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجلسًا يَومَ القِيَامَةِ: أَحَاسِنَكُم أَخلاقًا، وإِنَّ أَبْغَضَكُم إِليَّ وَأَبْعَدَكُم مِنِّي يومَ الْقِيامةِ: الثَّرْثَارُونَ، والمُتَشَدِّقُونَ، وَالمُتَفَيْهِقُونَ، قالوا: يَا رسول اللَّه، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ، وَالمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا المُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: المُتَكَبِّرونَ ــ حديثٌ حسنٌ.
كل ذلك يؤكد تباين قوة القيمة وقيمتها المضافة ومكانتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: من حيث التحليل المفاهيمي للقيمة
ــ تتباين القوة المفاهيمية للقيمة الواحدة من حيث قوة وأهمية المفهوم نفسه، وعدد المفاهيم التي تتكون منها القيمة، ففي حين تتسع قيمة الصدق إلى مفاهيم كبرى من صدق النية وصدق العزم وصدق العمل وصدق اللسان، تتفرع منها سلسلة من المفاهيم الفرعية والتفصيلية الممتدة فيما يمكن أن نسميه شجرة وفروع وثمار قيمة الصدق، نجد تباينًا في قيم الاحترام التي تتكون من أربع مفاهيم كبرى وهى احترام الذات والدين والآخر والقوانين والممتلكات العامة، وتتفرع عنها مجموعة من المفاهيم المحدودة نسبيًا إذا ما قورنت بقيمة الصدق، وهكذا في بقية القيم.
النتائج العلمية المتوقعة لتحديد قيمة القيمة
1ــ تحقيق وتأكيد التمايز الإسلامي بامتلاك معيار علميوشرعي لتحديد قيمة القيم والفصل فيما بينها.
2ــ تأسيس وتطوير علم تخطيط القيم للشرائح العمرية والنوعية والمهنية تربويًا ومهنيًا.
3 ــ استخدامه في عملية رصد وتحليل القوة القيمية والأخلاقية للمؤسسات والمجتمع والدولة.
4 ــ تطويرعمليات بناء وتمكين القيم في النفس البشرية.
5 ــ ضبط وتنظيم وترشيد عمليات التربية والتثقيف وصناعة الهوية.
6 ــ امتلاك معيار علمي لقياس وتقييم وتقويم القوة البشرية.
7 ــ عنصر أساسيفي النموذج المعياريالإسلامي لصناعة القيم والهوية الإسلامية.
إشكالية التصنيف الوظيفي دون التصنيف الإسلامي العلمي الأساسي لقيمة القيمة ذاتها
وتتلخص الإشكالية المعرفية هنا في توقف تصنيف القيم على أشكال وظيفية وتطبيقية وإجرائية
مختلفة مـغـلـقـة، هيفي مجملهادون تصنيف القيم بحسب قوتها الذاتية وقيمتها المضافة، وفاعليتها التربوية والإصلاحية ومكانتها عند الله تعالى، والتي ستكون مفتاحًا لأبواب عديدة من العلم والمعرفة ومجالاتالإنتاج المعرفي والتوظيفي والاستفادة المستمرة المفتوحة.
تصنيفات القيم عند علماء الاجتماع والسياسة والإدارة والتربية :
1ــ على أساس المحتوى: أي ما تنطوي عليه القيمة، مثل: القيم النظرية، أو الاقتصادية أو الجمالية...
2 ــ على أساس بُعد المقصد: ويشمل نوعين من القيم: الوسائلية والغائية. وهذا يعني أن هناك قيمًا يمكن أن تكون وسيلة لقيم أخرى تشكل هدفًا بعيدًا.
3 ــ على أساس بُعد الشدة أو القوة: والمقصود بذلك مدى درجة الإلزام التي تفرضها القيمة، ومن الممكن أن تقابل مفهوم شدة الإلزام هذا بما يعرف في الفقه الإسلامي بدرجة الحكم:
في الالتزام : واجب، مندوب، مستحب.
وفي النهي : حرام، شبهة، ثم مكروه.
4 ــ على أساس بُعد العمومية أو الشيوع: وهي بذلك تجاري الصفة الأساسية التي بنى عليها كلوكهون تصنيفه القيم، أي صفة مدى الانتشار.
5 ــ على أساس بُعد الوضوح: فإما أن تكون القيمة واضحة صريحة يمكن أن نعبر عنها بالكلام، وإمَّا بالسلوك الواضح الذي لا يحتاج إلى تفسير ولا يقبل التأويل، وإما أن تكون القيمة متلبسة بمعانٍ، أو قابعة خلف سلوك يمكن تأويله أو تفسيره على غير وجه.
6 ــ على أساس بُعد الدوام والاستمرار: القيم التي لا تعمر طويلاً، أو القيم الأسرع.
7 ــ على أساس الاستخدامالوظيفي :
القيم الأخلاقية، مثل: الصدق والأمانة والنزاهة والإخلاص...
القيم المجتمعية، مثل: التعاون والعمل التطوعي والمساعدة ...
القيم الفكرية، مثل: حب الفضول والتروي والعقلانية ...
القيم السياسية، مثل: إيثار المصلحة العامة والمواطنة ...
القيم المعرفية أو العقلية، مثل: الفضول والعقلانية والدقة والموضوعية...
القيم الوطنية، مثل: المواطنة الصالحة والتضحية في سبيل الوطن ...
القيم الشخصية، مثل: الصبر والثقة بالنفس والشجاعة ...
القيم الجمالية، مثل: الميل إلى الفن والإبداع والتناسق...
على أساس الأهداف التربوية: أهداف وقيم معرفية ووجدانية، وسلوكية.
Comments