ماذا يعني تخطيط القيم وصناعة واستثمار الهوية؟! عبر مجموعة من الثوابت الشرعية والعلمية والتاريخية والعملية التي تقرر أن:
- الإنسان هو أساس كل عملية تنمية ونهضة
- الإنسان يعمل بكامل طاقاته ويقدم أفضل ما لديه عندما يشعر ويعتز بذاته وشخصيته وهويته الخاصة به، علمًا بأن الهوية تتكون من العديد من العناصر؛ أهمها العقيدة والقيم والتراث واللغة والأعراف والتقاليد الخاصة.
الهوية هي: كل ما يشخّص الذات ويحددها ويميزها عن غيرها، وتفرده وتميزه بسمات خاصة عن بقية المجتمعات, هي الوعاء الجامع لكل فئات المجتمع ونقطة تمركزه وانطلاقه، فهي الأنا التاريخية والحالية والمستقبلية.
مفهوم الهوية يعني الوجود من عدمه، فهوية الشخص والمجتمع تعبرعن وجوده وحضوره ومكانه وأهميته في الحياة.
فتشتت أو ارتباك أو ضعف الهوية يعبر عن عدم حضور، وربما تلاشي وعدم وجود هذا الشخص أو المجتمع في الحياة وإن وجد ككيان مادي يشغل حيزًا ما في المعمورة الأرضية، ولكنه ليس بحاضر لانعدام فاعليته وأثره في الحياة.
وفي المقابل قوة وصلابة الهوية في ذاتها وفي نفوس أصحابها يعبر عن قوة وحضور وفاعلية هذا المجتمع وأثره في الحياة، بل وقوته المتجددة الكامنة في أعماق هويته القادرة على الفعل والانجاز الحضاري بشكل متجدد.
بمعنى أنا موجود وحاضر وفاعل؛ لأن هويتي محددة وقوية وبارزة وفاعلة والتي يجب أن نتعامل معها كأساس للبعث التنموي والنهضوي وممر ذاتي وحيد لإقلاعنا وصعودنا الحضاري المرتقب.
- نظرية الأمن القومي التي تحدد المهام الأساسية الأربعة لأي نظام حاكم لمجتمع من المجتمعات تقضي بأن مهامه الأربعة هي المحافظة على هوية الدولة وحريتها وسيادتها وفرص التنمية والاستقرار بها، بالإضافة إلى علاقاتها الخارجية التي تضمن مصالحه في العالم.
- مجتمعات وأمم الأرض في تدافع دائم إلى يوم القيامة وهذه هي صيرورة الحياة، ومن أهم أشكال هذا التدافع هو التدافع على الهوية ومحاولة تذويب الهويات الأخرى وفرض الهوية الخاصة كأساس لاستعمار الآخر واستنزاف موارده وتحقيق أفضل المنافع من خلاله.
- القيم والعلم هما أساس تطور وقوة أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية.
- يعيش الإنسان بين تحديات وكبد دائم عليه أن يعد ويؤهل وينمي نفسه باستمرار؛ ليكون على مستوى هذه التحديات ويغالبها؛ ليحقق أهدافه وينجز لنفسه ما يكتب به تاريخه في هذه الحياة، وبمثل هذه الثقافة تتحقق التنمية والنهضة.
- لكل محطة من محطات التاريخ الإنساني تحدياتها الخاصة بها، والتي تأتي وفق ما وصلت إليه الحياة الإنسانية من علم وتقدم، بالإضافة إلى ما آلت إليه موازين القوى بين المجتمعات والأمم.
- كل مهمة من المهام وكذلك مجموعة مهام المرحلة تحتاج إلى موارد بشرية بمؤهلات وقدرات وصفات نوعية خاصة تواكبها وتستطيع تحقيقها؛ فهناك مهام مرحلة التحرر بالجهاد والقتال والتي تحتاج إلى صفات ومؤهلات خاصة بها، وهناك مهام مرحلة التنمية بالعلم والتكنولوجيا والعمل والمثابرة فتحتاج مؤهلات خاصة بها، وهناك مهام المراحل الانتقالية والحاجة إلى الوحدة والتعاون والتكامل والتعالي على الهويات والمطالب الخاصة لصالح الشأن العام، والصبر على عقبات التحول من عهد إلى عهد جديد والتي تحتاج إلى مؤهلات خاصة.. وهكذا؛ بمعنى أن لكل مرحلة مهمتها الخاصة ولكل مهمة مواردها البشرية المناسبة لها.
والموارد البشرية هنا هي الكتلة الحرجة في معادلة التنمية والنهوض، والتي تنقسم إلى جزءين: الأول: هو العنصر البشري الفاعل مباشرة في كل مجالات العمل والتنمية وتحقيق أرقام النمو والصعود والنهضة في كل مجالات الحياة.
الثاني: هو المجتمع الواعي المشارك بشكل غير مباشر لرعاية وتحفيز ودعم الجزء الأول.
- إعداد وتأهيل هذه الموارد البشرية لا يتم عشوائيًّا بل يحتاج إلى تفكير وتخطيط وتنفيذ حتى يتم إنتاج هذه الموارد البشرية المطلوبة لتحقيق هذه المهمة، وتلك إذًا هي عملية تخطيط القيم وصناعة الهوية.
- تخطيط القيم وصناعة الهوية تتم عبر عدة مراحل كلية على الترتيب التالي:
أولاً: تحديد المهام الأساسية الكبرى للمرحلة الحالية والمقبلة للمجتمع
ثانيًا: توصيف المؤهلات والقدرات الاستحقاقات والسمات المطلوبة في الموارد
البشرية اللازمة لتحقيق هذه المهام
ثالثًا: تحليل الواقع السلوكي و القيمى الحالي للمجتمع
رابعًا: اختيار و صف منظومة القيم الملائمة
خامسًا: ترجمة منظومة القيم المستهدفة إلى مهارات وتطبيقات سلوكية فردية ومجتمعية مستهدفة
سادسًا: تحديد المسارات اللازمة لبناء وتعزيز وتمكين هذه المنظومة لتتحول إلى مكون رئيسي من شخصية وهوية واهتمام وسلوك المجتمع، ومعيارا لضبط وتقويم سلوكه وانجازه
سابعًا: تصميم المشروعات التنفيذية ومؤشرات ومعايير أداء وإنجاز هذه المشاريع للتأكد من تحقق الأهداف المنشودة وبمعدلات كمية ونوعية مقبولة.
عندما نقوم بهذا العمل وفق هذه المنهجية العلمية المنظمة ساعتها نستطيع أن نمتلك مجتمعًا واعيًا ومناصرا ومؤيدا ومشاركة بفاعلية في تحقيق مهام تنمية ونهضة المجتمع، كل بحسب قدراته وإمكانياته، بالإضافة إلى امتلاك الكتلة البشرية الرئيسية العاملة والفاعلة بقوة في تنمية كافة مجالات الحياة العلمية والتربوية والإعلامية والاجتماعية والزراعية... إلخ لتتكامل مع بعضها البعض وتحقيق ما يعرف بالنهضة المجتمعية الشاملة.
ويمكن إيجاز الأهداف الإستراتيجية لتخطيط القيم وصناعة الهوية في هدفين:
الأول: المحافظة على بقاء المجتمع متماسكا حرًا أبيًا معتزًّا بذاته، والقدرة على صد محاولات الاختراق الثقافي والاجتماعي والتفكيك والتذويب لحساب ثقافات وهويات أخرى.
الثاني: تعزيز القدرة الداخلية على الفعل والانجاز الحضاري؛ حيث تمثل القيم التي يتبناها الفرد والمجتمع والهوية التي يعيش بها ولها المصدر الأساسي لسلوكه وفعله وإنجازه وكلما قويت هويته في ذاتها، وقويت بتمسكه واعتزازه بها كلما ذادت القيمة المضافة للعنصر البشرى الذي يتم إعداده وتقديمه لمواقع الفعل والإنجاز في المجتمع والعكس الصح
Comments