top of page
صورة الكاتبالدكتور إبراهيم الديب

قوة الـهـوية


الهوية تحسن السلوك المجتمعى ، وتقلل المشاكل وتخفض معدلات الجريمة

الهوية هى أصل الشيء وحقيقته وروح الإنسان وسر الحياة فيه ، وسبب وجوده ، والسمت المميز له عن غيره ، ووثيقة الإرث الحضارى له ،و الطاقة المحركة ، والأمل فى مستقبل أفضل ، كما هي معيار التوجه السياسى وصنع القرار فيه ، وهوية المجتمع هى سر قوته وسبب بقائه ، وسر نموه وتطوره

وهى التى تحدد مساراته واتجاهاته فى العالم من حوله ، كما هى أساس وحدته واحتشاده ، وهى المحفز

الحقيقى للفعل والبذل والتنافس والإنجاز الحضاري .

الهوية قصة حب خالدة بين الانسان كفرد ومجتمع وأمة وذاته الحقيقية ، التى تتكامل بين ماضى طويل وحاضر حى ومستقبل متوقع ، الهوية كائن حى يأكل ويشرب وينمو ، ويقوى ويضعف ، يتحرك ويسكن

يتفاعل مع محيطه المادى والمعنوى ويتأثر ويؤثر فيه .

الهوية روح الجسد تغيب عنه، فيهبط سلوكيا وحضاريا ، ثم يشتاق اليها ويحتاجها ولا يستطيع العيش بدونها فيعود إليها ليحسن من سلوكه وأدائه وانجازه ليسترد موقعه ومكانته الحضارية بين الأمم

فتتحرك هويته لتلتقيه فى منتصف الطريق ، اشتاقا لبعضهما ولكنها كانت تنتظره ليقبل فقط عليها .

الهوية روح تغيب ولكنها لا تموت أبدا ، تضمر حينا ، ولكنها تعود الى جسد المواطن والمؤسسة والمجتمع فتحييه من جديد وتمنحه القوة والقدرة على الفعل والانجاز ، فتقوى به وتمتد وتنتشر وتفتح لها فروعا ممتدة فى مجتمعات جديدة ، بين المواطن وهويته ، بين المدرسة وهويتها ، بين المؤسسة وهويتها ، بين المجتمع والدولة وهويتها تمنح الفرد والمؤسسة والمجتمع أحاسيس ومعانى وطاقات الحياة والوجود و الأمل و الرغبة فى الإنجاز و طاقة وقوة الحركة والفعل .


الآثار المادية الحقيقية الملموسة للهوية فى مجالات حياة المجتمع :

1 ــ الهوية تنتج نمط الحياة الخاص المميز للمجتمع المعتز بذاته بين الأمم

2 ــ الهوية تحسن السلوك المجتمعى ، وتقلل المشاكل وتخفض معدلات الجريمة

3 ــ الهوية توحد المجتمع وتهبط بمعدلات الصراع البينى

4 ــ الهوية ترفع مستوى الانضباط المجتمعي بالقيم والأخلاق والقوانين ومعايير الأداء المهني

5 ــ الهوية ترفع مستويات الاداء والانجاز والناتج المحلى والدخل القومى


وتتكون هوية المجتمع من جزء صلب وآخر مرن ، والجزء الصلب بمعنى البناء التأسيسى الثابت والذى يتكون من العقيدة واللغة والقيم والتراث و رؤية ورسالة ومهمة هذا المجتمع فى الحاضر الذى يعيشه والمستقبل الذى يسعى اليه ، والجزء المرن المتمم لبناء هوية المجتمع هو الاعراف والتقاليد المجتمعية الخاصة ، والفلكلور الشعبى الخاص ، وطبيعة جغرافيا المجتمع التى تفرض نفسها على السمت الخاص لأبناء المجتمع وترسم نمط حياتهم الخاص المميز لهم ، كل هذه المكونات تتفاعل فيما بينها لتشكل الكينونة الخاصة للمجتمع ، والتى تعنى وجوده وكينونته فى هذا العالم الذى يمتلك فيه كل مجتمع هويته الخاصة به ، التى يعتز بالانتماء اليها ، ويسعى الى المحافظة عليها ، بل وفتح آفاق جديدة لها لدى المجتمعات الأخرى ليؤكد وجوده ، ويعظم من مكاسبه المادية والمعنوية ، ويحفظ لنفسه فرصته

الدائمة فى النمو والتقدم والاستقرار والرفاهية .

ويرسم علم الاجتماع السياسى الحديث أربعة ادوار وظيفية للهوية فى كل مجتمع من المجتمعات

هى على الترتيب والتوالي ضبط والتحسين المستمر لجودة السلوك المجتمعى ، وتوفير قاعدة من المفاهيم والقيم المشتركة ، التى تستثمر تنوعه وتعزز وحدته وتكامله ، وتحشدهم نحو غاية

وبوصلة وطنية واحدة لتحقيق المصالح الوطنية العليا للمجتمع ، والاهم من ذلك كله هو أن الهوية

تمثل المحفز الحضارى الأكثر فاعلية فى نفوس أبنائه ودفعهم للعمل والتضحية والانجاز من اجل

إنجاز إسهامات حضارية جديدة تساهم فى الرقى الحضارى الانسانى بشكل عام وتحسن من مستوى

جودة حياة المجتمع ومكانته بين باقى الأمم الإنسانية .


ماذا يعنى قوة وضعف الهوية :

وكلمات تعزز فهم وبناء وتمكين المكونات الخمس الأساسية للهوية فى نفوس المجتمع ( المعتقدات والقيم واللغة والتراث والمهمة والرسالة الحضارية ) كلما تحسن السلوك والأداء والإنجاز المجتمعى ، والعكس الصحيح كلما ضعف هذه المكونات ضعف السلوك والأداء والفعل والانجاز الحضارى للمجتمع

وأكثر ما يبرهن على العلاقة الطرية بين قوة الهوية وقوة الانتاج وارتفاع معدلات الاقتصاد والتنمية بشكل عام هى التجربة الماليزية ، والتى بدأت مطلع ثمانينيات القرن الماضى عندما تولى محا ضير محمد رئاسة الوزراء فى 1981 م ، وبدأ مسيرة النهضة الماليزية برسم خطة موحدة للهوية الماليزية حددت المعالم الاساسية للمجتمع الماليزى من الاعتراف الكامل بكافة الهويات الأديان والقوميات الخاصة داخل المجتمع الماليزى وجمعها فى وعاء وطنى ماليزى كبير هو الهوية الوطنية الواحدة للشعب الماليزى

عبر منظومة عبقرية من قيم الاحترام المتبادل والتعاون والتكامل والانضباط ، واحترام العلم والتخصص والاحتراف المهني والعمل والانجاز ، متوجة بقيم الاعتزاز بالذات والتنافس الايجابى لإعلاء قيمة ومكانة ماليزيا فى المجتمع العالمى ، وفعلا تحققت المعجزة وترجمت هذه المنظومة القيمية الى سلوك وأداء حقيقى على ارض الواقع حيث تحسن السلوك المجتمعى بشكل كبير وخفت حدة الصراع البينى حتى

انتهت تماما ، وتفرغ الشعب للعمل والانجاز فنما الناتج المحلى وارتفع الدخل القومى ، ودخل الفرد من ستمائة رنجت عام 1980 إلى عشرة آلاف رنجت عام 2001 م ، وارتفعت صادرات ماليزيا من خمسة مليار دولار سنويا عام 1980 م الى ستة وتسعون مليار دولار عام 2002 م .

أحدث منشورات

عرض الكل

Comentários


bottom of page