الدور الوظيفي للقيم والأخلاق الإسلامية
القيم الإسلامية ذات بعد فردي وبعد مجتمعي وبعد أممي، وذلك لأنها تجمع في ذاتها خماسية المعتقد والمصدر والمقصد والمرجع والمعيار، وربانية مصدرها منحتها الطلاقة لكل الناس كافة.
أولاً: للفرد:
1 ــ تزكية النفس بضبط قوى الهوى والشر والشهوة والغضب والعدوان والظلم داخل النفس
وتعزيز الفطرة السوية بالعلم والحكمة والرحمة والحب والخير.
2 ــ بناء قدرات الإنسان الذهنية والمعرفية والنفسية والروحية والاجتماعية
وإعداد وتأهيل المسلم والرقي به وتعزيز ممكناته على الفعل والرقي لتحمل مسؤولية
الخلافة والقيام بمهمة عمارة الكون.
3 ــ العبودية لله تعالى ــ تحقيق المعنى الحقيقي للعبودية لله تعالى، فكلما تعلم المسلم قيمة
جديدة وتخلق بها ارتقى في منزلة عبوديته لله تعالى.
4 ــ تحفيز المسلم على الفعل والإنجاز وعمارة الحياة بقيم ومنتجات الإيمان.
5 ــ تصنع وترسم وتحدد هوية الإنسان والكاريزما الشخصية له.
6 ــ تحفز الإنسان على الصلاح والإصلاح.
القيم وبناء القدرات البشرية للفرد المسلم
القيم تعمل على بناء وتعظيم القدرات البشرية الستة للفرد وتعظيم قوته على الفعل والإنجاز
والبناء والعمران والوفاء بمهمة خلافة الله تعالى له في الأرض.
1 ـ القيم تنمي التفكير : بتعلم التفكير بطريقة عملية من خلال ممارسة المهارات السلوكية والواجبات العملية لكل قيمة من القيم، وتنظيم عقله وطريقة تفكيره، والتفكير بشمولية وعمق، وفتح آفاق واسعة للتفكير العملي لتطبيق القيمة وتفعيل دورها في كافة مجالات الحياة الفردية والمجتمعية.
2 ـ القيم تنمي المعرفة : بالفهم الشامل العميق للبناء المفاهيمي لكل قيمة وعلاقة كل مفهوم ببقية المفاهيم في إطار السياق المفاهيمي للقيمة، وأهداف ومقاصد القيمة
وبعد ذلك ترجمتها في شكل واجبات عملية متعددة ومتنوعة في كافة مجالات حياة الفرد
ومعايشة وفهم واستيعاب نتائج تطبيق القيمة والتمسك بها، وتداعياتها الإيجابية على الفرد والمجتمع بما يثري معارف الفرد عن القيمة الواحدة، وكلما تعددت القيم وتنوعت، اتسعت وقويت وعظمت البنية المعرفية للفرد.
3 ـ القيم تحسن السلوك : من خلال تحديد الواجبات التطبيقية العملية للمهارات السلوكية
لكل قيمة من القيم، في شكل الأفعال التسعة الغير مرئية والمرئية
ـ أن يفهم ـ أن يشعرـ أن يتصور ـ أن يتمنى ــ أن يعزم ــ أن يقول
ـ أن يعمل ـ أن يحافظ على ـ أن يدعو إلى ويدافع عن
هذه الأفعال التسعة كلها أفعال إيجابية حسنة، وفي ذاتها نفيًا وتطهيرًا للفرد من السلوك السلبي العكسي لها.
مثال1 : تعلم مهارة صدق اللسان تمنح الفرد تلقائيًا طهارة للسانه من الكذب والفحش.
مثال 2: مهارة احترام الأشخاص والأفكار تطهر الفرد من سلوكيات العصبية و التجاوز والتعدي ..إلخ.
ثم يتدرب على ممارستها عمليًا حتى تصير خلقًا متمثلاً في شخصيته وجزئًا أصيلاً منه.
وكلما تعلم مهارة سلوكية أضافت له سلوكًا جديدًا جميلاً، ساهم في تحسين وتجميل سلوكه وشخصيته، علمًا بأن لكل قيمة واحدة ما يقارب العشرون مهارة سلوكية بحسب طبيعة القيمة وعمر الفرد والمجال السلوكي لها.
4 ـ القيم تبني وتعزز الحافزية على التعلم الذاتي :
مع تعلم وتمسك الفرد ببعض القيم تتحسن شخصيته، وجودة حياته بشكل عام، ويتحفز ذاتيًا لتعلم المزيد من القيم، مع الخبرة العملية التي يكتسبها ويطورها ذاتيًا عن مراحل بناء والتخلق بالقيم ــ بداية من المعرفة ثم الفهم والاستيعاب ثم ترجمتها لدليل سلوكي تربوي والتدرب على تنفيذ كل مهارة وتكرارها حتى يتقنها ويتمثلها خلقًا دائمًا، ذلك يكسبه أمرين:
الأول : خبرة عملية عميقة، وحرفية في تعلم واكتساب القيمة.
الثاني : ثقة في الذات وقدرة على التعلم والتطور الذاتي.
بما يعزز حافزيته بشكل عملي نحو التعلم المستمر للقيم وغيرها من العلوم المفيدة .
5 ـ القيم تبني وتبرز الكاريزما الشخصية :
كما أن لكل إنسان بصمة يد وعين خاصة لا تتكرر في باقي البشر، وذلك من دون إرادة بشرية، كذلك فلكل إنسان بصمة شخصية خاصة مميزة تميزه عن بقية البشر، بيد أن الإنسان مخير في تحديد ملامح هذه الشخصية ومقدار تميزها وعظمتها وندرة تكرارها، عن طريق ما يمكن تعلمه وجمعه والتخلق به من القيم.
حديث : إن من أحبِّكم إليَّ، وأقربِكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنَكم أخلاقًا.
حديث : ما من شيء في الميزان أثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ.
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
وبمقدار وعمق ما يتخلق به الإنسان من قيم تتشكل ملامح شخصيته الخاصة في التفكير والاهتمامات والقول والفعل والإنجاز ...إلخ بما يشكل ويرسم بنفسه لنفسه البصمة الشخصية الخاصة به، ويعلنها ويوثقها ويبرزها في المجتمع.
مثال : المجتمع المكي يوسم محمد بن عبد الله قبل الرسالة بالصادق الأمين.
حديث : اَللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي.
6 ـ القيم تعزز قوة الحضور والتأثير الشخصي للفرد:
القيم القرآنية كلها إيجابية، ولكل قيمة تطبيقات سلوكية متنوعة، ولكل سلوك لون خاص
وعبير وعبق خاص وجمال خاص بها، ومع تنوع منظومات القيم التي يختارها كل شخص لذاته بحسب مواهبه وميوله وتنشئته ومعارفه وتوجهاته ...إلخ تتعدد وتتنوع شخصيات المسلمين والمؤمنين والمحسنين والمتقين، بما يزيد الشخصية جمالاً وإبهارًا وتميزًا، ويصنع الجاذبية الشخصية للآخرين نحوه، ويفرض عليهم الاستسلام الناعم لقوة تأثير أخلاقه، ويفرض لهذا الإنسان القيمي حضورًا بارزًا مميزًا مؤثرًا في كل مكان يتواجد فيه، ويجبر الجميع على احترامه وتقديره والتأثر به، وربما تقليده وتبعيته تلقائيًا.
ثانيًا: للمجتمع :
للقيم أدوار استراتيجية في تحسين وتنظيم وإدارة سلوك الأفراد وتنظيم وإدارة العلاقات الطبيعية
فيما بينهم، وتحسين جودة وحركة الحياة.
1 ــ مرجعًا أعلى لجميع أفراد المجتمع وللناس كافة لبيان الخير والشر، والصواب والخطأ والحق والضلال.
2 ــ نسق مفاهيمي منتظم لتوحيد مفاهيم وتصورات الأخلاق والسلوك.
3 ــ معيار لقياس جودة السلوك، وتقييم الأفراد.
4 ــ تعزز استقامة وتحقيق مصالح الناس واستقرارهم كونها ضرورات ومقاصد دينية.
5 ــ تصنع ثقافة ونمط حياة وهوية المجتمع.
6 ــ الأساس في صناعة المبادئ والتشريعات والقوانين والدستور المنظم لحياة المجتمع والدولة.
7 ــ إحياء وبعث الإسلام في نفوس المسلمين، وردهم إلى دينهم وقوتهم ووحدتهم ورسالتهم
ودعوتهم الإصلاحية رحمة للعالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) الأنبياء 107.
8 ــ بعث وإحياء روح وجسد الأمة الإسلامية الواحدة وتلبية احتياجاتها في مجالات
الإنتاج المعرفي والتجديد الفكري، وبناء الإنسان والمجتمع ودولة الحكم الرشيد.
9 ــ بناء حصانة ذاتية للمجتمع تحفظه أمنه الثقافي والقومي من الاختراق وحرب القيم والهوية.
10ــ للقيم والأخلاق الإسلامية أبعاد مجتمعية كبيرة كونها فضائل أخلاقية بنائية منظمة وضابطة لسلوك المجتمع وآلية تفعيل لقدرات وقوى المجتمع، وفي نفس الوقت معايير ونظام تقويم ومبادئ ومنطلقات فاعلة حاكمة.
أ ــ في ذاتها مقاصد دينية يجب تحقيقها ليكون منهج الله تعالى هو السائد وكلمة الله هي العليا،
وتستقيم فطرة الحياة التي فطر الله تعالى الناس عليها.
ب ــ وسيلة لضبط وتحسين السلوك البشري.
ت ــ معايير لقياس جودة السلوك.
ث ــ تنمية قدرات وممكنات المجتمع على الفعل والإنجاز والتنافس الحضاري.
11 ــ القيم المشتركة تصنع نقطة ارتكاز لوحدة واحتشاد المجتمع نحو بوصلة وأهداف واحدة،
وتنظم وتدير العلاقات فيما بينهم بكل سهولة ويسر.
12 ــ القيم الإسلامية تصنع المسلم القوي الصالح المصلح الفاعل مجتمعيًا، والمجتمع القوي الفاعل
إصلاحيًا (فيما نسمع حاليًا بالمجتمع المدني) وتعزز من قوة وفاعلية المجتمع بجانب النظام
السياسي للدولة فتدعمه، وتحفظه وترشده وتمنع تغوله وانحرافه، والعكس صحيح.
ثالثًا: البعد الحضاري والأممي للقيم :
1 ــ القيم الإسلامية هي المرجع الأساس في تفسير حركة تداول وصعود وهبوط المجتمعات والأمم.
2 ــ القيم الإسلامية تؤهل الأفراد والمجتمع ثقافيًا وعمليًا لحمل رسالة الإسلام والقيام بمهمة الخلافة والإعمار.
3 ــ للقيم الدور الأساس في تنظيم وتطوير مجالات الحياة المختلفة وفي مقدمتها المجال التربوي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
4 ــ القيم الإسلامية معيارية المفاهيم والقياس للجميع والتمسك بها لذاتها مطلقة مع كل الناس بغض النظر عن معتقداتهم وأعراقهم وأعمارهم، وفي كل الأماكن والأحوال والأزمنة تحت المراقبة الإلهية والضمير الشخصي إرضاءً الله عز وجل ورغبة في الفوز برضاه وجنته في الآخرة، والاستفادة منها في بناء وتعظيم قدرات المؤمن في الدنيا.
5 ــ هذا الفهم المطلق للقيم بذاتها، وربطها بالله عز وجل يعزز من فاعلية القيم في بناء المجتمعات القوية ونشر الرحمة والعدل فيما بين جميع المجتمعات بعيدًا عن حسابات المنافع والمصالح، وإنما تمسكًا بالقيم في ذاتها، ويصبح المعيار القيمي والأخلاقي معيارًا وقانونًا حاكمًا بين البشر يعزز من تواصل وتعاون وتكامل المجتمعات الإنسانية قويها وضعيفها فقيرها وغنيها، بما يعزز الأمن والاستقرار العالمي.
6 ــ البنية القيمية للمجتمع تتحقق فرديًا ومجتمعيًا، بوعي وجهود الأفراد والأسر والمربين
وبحكمة وواقعية وفاعلية نظام الشعائر التعبدية في الإسلام، وتعززها جهود الدولة لحين تتبنى
القيم والثقافة والهوية الإسلامية توجهًا سياسيًا فتوظف أجهزتها لتنفيذ مشروع القيم والهوية الإسلامية.
ومع تطور تكنولوجيا الاتصال والإعلام والفن والتأثير ونقل المفهوم الغربي في تحكم النظام الحاكم
والعكس الصحيح حينما تتبنى توجها عكسيًا في إضعاف قوة قيم وأخلاق الناس لغاية تعبيدهم للدولة.
ــ القيم تمثل الأساس الأول في بناء منظومة القوة للدولة الحديثة والتي تبدأ :
أولاً : بقوة القيم التي تبني وتعظم القيمة المضافة للقوة البشرية للدولة
ثانيًا : القوة البشرية تنتج القوة العلمية والتكنولوجية للدولة
ثالثًا : القوة العلمية تنتج القوة الإنتاجية والاقتصادية للدولة
رابعًا : القوة الاقتصادية تنتج القوة العسكرية للدولة
خامسًا : القوة العسكرية تنتج قوة العلاقات للدولة
سادسًا : قوة العلاقات تنتج القوة السياسية للدولة
تعليقات